ثَمَّةَ مشكلةٌ رئيسيةٌ لا يستطيعُ عُقلاءُ العالَمِ إنكارَها، تكمُنُ في أنَّ جميعَ الشعوب والدول تعيشُ في حربٍ مع الله؛ بسَببِ الربا المنتشر في المعاملات التجارية والبنكية والبورصات في العالم كله، بدءًا من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ونظام (الدولار) المالي، وانتهاءً بكل البنوك المركزية التي تخضع لهيمنة الدولار.
وبشكلٍ موجزٍ من المهم أن نذكِّرَ بجذور الربا، وبحسب العديد من المصادر فاليهودُ أولُ من نشر المراباة وعمل بها في المعاملات التجارية والنقدية وتحديداً في القرن السادس (ق. م).
وفي دين الإسلام الذي جاء به جميعُ الأنبياء ([i]) ثمة موقفٌ صارمٌ وواضحٌ بشأن تحريم الربا وتجريم الممارسات الربوية، وهذا الموقف معلوم وثابت في كُـلّ الكتب التي أنزلها الله رب العالمين على رسله، ومنها ما جاء في القرآن الكريم: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أموال النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) سورة النساء الآية 160- 161
تبرز بوضوحٍ حكمةُ رب العالمين -سبحانَه وتعالى- من تحريم الربا في ما ينتج عنه من أثرٍ وضرر كارثي، وظلم وفوارق وحرمان، وتجويع وامتهان لشريحة واسعة من الناس في كافة البلدان والمجتمعات.
الربا والسرطانُ.. التشابُهُ الكبير
لتقريبِ الصورة يمكنُ المقارنةُ بما يفعلُه السرطان “الورمُ الخبيث” في الجسم من أضرار ودمار، إذ تتشابهُ إلى حَــدٍّ كبير مع ما يفعله الربا بالشعوب والمجتمعات.
تنتشرُ آفة الربا بشكل هادئ كالسرطان ثم تطفو في هيئةِ التضخم والركود وفي أشكال عديدة من الأضرار، ويفعل الربا ما يفعله السرطان بالجسم تماماً، حَيثُ يقومُ باحتجاز الثروات في دائرة محدودة، فتتراكم الثروات في بنوك وبورصات وخزائن وأرصدة خَاصَّة بفئة محدودة، تدور الثروات فيها، ويكون المال (دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ).
في المقابل يقومُ السـرطان “الورم الخبيث” باحتجاز البروتينات في خلايا العضو المصاب ويمنعُ انتقالَ بقية الغذاء لبقية الخلايا، وتسمى هذه الحالةُ في الطب بعملية التمثيل الغذائي “الاستقلاب”.
تكون النتيجة هي تراكم البروتينات في خلايا العضو المصاب بالورم، وينتهي الأمر بتدمير الخلايا نفسها في منطقة الورم الخبيث و”تتضخم” فيتعرض الجسم للضمور والانكماش والتلف وتنتهي بموت الجسم بكامل خلاياه. “نتيجة لعدم وصول الغذاء إليها”.
ومنذ زمن مضى ثمة من العقلاء من تصدَّى للربا ونادى بالابتعاد عنه؛ لمخاطره وأضراره منهم “أرسطو” ([ii])، إذ كانت قناعتُه بأن النقود ليست ثروةً وإنما إشارةٌ تدُلُّ على الثروة، وأنه لا يصح أن تتراكمَ في أيدي عدد قليل من الناس.
مراحلُ نشأة النظام المالي العالمي
مراحلُ نشأة النظام النقدي العالمي بقيادة وزعامة الدولار الأمريكي، المراحل الأكثر أهميّة وهي أربعِ مراحل.
المرحلة الأولى: في 1867 مؤتمر باريس الاقتصادي، وقد تم الاتّفاق على اعتماد الذهب معياراً لتغطية النقد الورقي وهي المرحلة الأولى لظهور المنظومة المالية العالمية التي أسست لهيمنة الرأسمالية على مستوى عالمي.
المرحلة الثانية: في 1922م بانعقاد مؤتمر جنوة أَو غنوة ([iii]) الاقتصادي، وفيه تم الاتّفاق على استمرار اعتماد الذهب (السبائك) معياراً للنقد المطبوع، كما تمت مناقشة تنفيذ اتّفاقية فرساي التي تم بموجبها إيقاف الحرب العالمية الأولى لدراسة آلية إعادة الإعمار وخطة تقديم القروض، كما تم الاتّفاق على الالتزام بتغطية طباعة العملات الورقية بالذهب لم يحدث سوى فترة موقتة فقط وبنسبة 40 % ثم بنسبة 25 % من حجم النقود المطبوعة. ثم تنصلت أمريكا وبقية الدول بعد الحرب العالمية الأولى لعدم توفر كميات ذهب كافية تكفي لطباعة عملات لتغطية تكاليف الاعمار، وفي 1944م منح الدولار صلاحية الذهب.
المرحلة الثالثة: في 1944م انعقاد مؤتمر “بريتون وودز” ” Bretton Woods” في 1944م ([iv]) برعاية بلدان ما يسمى (بالتحالف المناهض للهترلية)، وحضر المؤتمر أكثر من 700 مندوبًا يمثلون 44 دولة، وفيه تم منحُ الدولار صلاحية الذهب، وحصلت أمريكا بموجب الاتّفاقية على صلاحيةِ استخدام ذهب 44 دولة الموقعة على الاتّفاقية وقد وصفت هذا العملية بأكبر عملية احتيال مالي في التاريخ.
المؤامرةُ الأمريكية في مؤتمر (بريتون وودز) 1944م
كان الإعلانُ الرسمي للمؤتمر لإعداد اتّفاقية مالية عالمية ومناقشة آلية التبادل التجاري بشكل أوسع، وقد تفاجأت الدول المشاركة حين اكتشفت أن ثمة احتيالاً ومؤامرةً تخدُمُ المصلحة الأمريكية فقط.
بعد بريتون وودز تم فرض الدولار كعُملة احتياطية على الدول التي حضرت (مؤتمر بريتون وودز) وتم منح الدولار صلاحيةَ الذهب، وأعلنت أمريكا تثبيت سعر الدولار بما يعادل 35 دولاراً لـكل أونصة ([v]) بمعنى أن من يمتلك 35 دولاراً يمكنه استبدالُها بـ 28 جراماً من الذهب، كما التزمت أمريكا بعدمِ طباعة أي دولار إلَّا بتغطيته بالذهب.
كما حصل اللوبي اليهودي على صلاحيات الرقابة على البنوك المركزية للدول وفرض الهيمنة عليها من خلال (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) المتفق على إنشائهما في 1944م، وجعل المقرات الرئيسية لهما في أمريكا، ومهمتُهما إغراقُ البلدان بالديون وفرضُ مسارات ربوية على البنوك المركزية ورفع رسوم الفائدة على أذون الخزانة، وتوجّـه الحكومات برفع الدعم عن السلع الأَسَاسية، كما تمكّن اليهودُ من الاستيلاء على أكثر من 75 % من ثروة الذهب في العالم وتمكّنوا من السيطرة على ذهب 43 دولة ([vi])
المرحلة الرابعة (1971) – (1976) وفيها تم إعلانُ فك ارتباط الدولار عن الذهب واتّفاقية البترودولار (ربط الدولار بالنفط)
استمرت الخُدعةُ 11 سنة إلى فترة العدوان الأمريكي على فيتنام ابتداءً من 1 نوفمبر 1955م وفي تلك المرحلة تم طباعة 110 مليارات دولار بحجّـة تغطية نفقات الحرب الأمريكية في فيتنام، وتعرض الاقتصاد لنكسة مرتجعة نتيجة لطباعة كميات كبيرة من الدولارات.
ومن مطلع الستينيات بدأت مؤشراتُ النمو الاقتصادي “الصناعي” في أمريكا بالتراجع والانكماش، مع تراكم مشاكل عديدة.
في الفترة نفسها عرفت العديد من الدول أن أمريكا احتالت عليها ونهبت ذهبها وعلم الكثير أنها تطبع دولارات بدون ربط بالذهب.
في آخر الستنينيات تفاقمت المشاكلُ وتعذَّر الوفاءُ عن مبادلة الدولار بالذهب، وتطورت إلى درجة التهديد بنشوب حرب، حين طالبت فرنسا باستردادِ ذهبها من خزائن الفيدرالي الأمريكي، ولم تتمكّن من الحصول عليه واسترداده من خزائن بنك الاحتياطي الفيدرالي.
الهُروبُ الأمريكي إلى الذهب الأسود “البترودولار”
كانت الخُطوةُ الأولى في بداية السبعينيات من القرن الماضي في 15 أغسطُس 1971م، خرج الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون معلناً على شاشات التلفزيون فَكَّ ارتباط الدولار بالذهب، وتمت الخطوة الثانية في 1976 حين عقد صندوق النقد الدولي مؤتمر “جاماكيا”([vii]) وفيه تم الإعلانُ رسميًّا بأن النظامَ المالي العالمي قد انتقل إلى المعيار النفطي، ومن حينها ظهر مصطلح البترودولار.
المصرفيون اليهودُ والسيطرة على اقتصاد العالم
يمتلكُ اليهودُ زِمامَ السيطرة الكاملة على الاقتصاد وفي قبضتهم النسبة الكبرى من ثروات العالم، وهم من يتحكمون بعرض النقود وأسعار الفائدة وهم من يمتلكون مهارات تقويض الثروات وتحقيق أرباح كبيرة جِـدًّا في كُـلّ دورة.
ويقوم “اليهود المصرفيون” بخفض أسعار الفائدة مع توسعة المعروض النقدي لتتراكم الديون في الأسواق ثم يقومون بالسيطرة على المعروض من النقود وشراء السندات مع رفع أسعار الفائدة؛ لتحدث عمليات إفلاس كبيرة للكثير من البنوك والشركات والعائلات، فيقومون بشراء كُـلِّ أنواعِ الأصولِ والسيطرة على ثروات كبيرة، وتتكرّر المؤامرة بعد مرور وقت قصير من التعافي.
الجديرُ بالإشارة أن جميعَ حالات الركود التي يشهدها الاقتصاد العالمي لا تحدُثُ بدون تدابيرَ وتنسيقٍ وأسبابٍ يصنعُها المصرفيون اليهود، لقد تم القيامُ بذلك عدة مرات قبل عام 1929، وتم القيامُ به عدة مرات في فترة الكساد العالمي وما بعدها وفي 1983، وفي 2007 ــ 2009م حتى 2020م.
مراتٍ عديدةً يبرُزُ التضخم ويعودُ الركود بشكل دوري نتيجة لإجراءات متعمدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي، بقناع ومزاعم “احتواء التضخم”، إذ يلجأ المصرفيون بشكل مُستمرٍّ إلى صناعة التضخم والركود والكساد لتنفيذ عمليات الاحتيال والنهب والاستحواذ على الثروات لصالحهم.
من أبرز المشاكل الاقتصادية التي صنعها اليهود في القرن العشرين، الأزمةُ المالية من 1907م إلى 1914 حين أنشأ الكونجرس نظامَ الاحتياطي الفيدرالي بقناع منع الانهيارات المستقبلية.
ومنذ أن تم إنشاء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بداية الحرب العالمية الأولى 1914 قام البنك بالتخطيط والتنفيذ لعدد من عمليات الانهيار المالي في الأسواق.
الحروبُ وزعزعةُ استقرار العالم وصناعة الأزمات تأتي على رأس قائمة الأدوات والوسائل التي يستخدمها اليهود المصرفيون كذريعةٍ لإسقاط الأسواق المالية لتسقط معها العديد من الاقتصادات؛ لأَنَّها تمكّنهم من عمليات الاستحواذ والسيطرة على أصول كبيرة.
ونظراً لارتباط بنوك العالم المركزية بالدولار وارتباط مصادر الطاقة وديون العالم به، فَـإنَّ خُطَّةَ الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة بشكل متدرج ومُستمرّ ينتج عنها، فثـمة مشاكلُ عديدةٌ تحدث في أوقات الأزمات الاقتصادية التي تقود الجميع إلى أزمات التخلف عن السداد في جميع أنحاء العالم.
صناعةُ الأزمات الاقتصادية -أهمُّ أهدافها-
قبلَ الحرب العالمية الأولى 1913 إلى 1918م كانت أمريكا تمُرُّ بأزمة مالية كبيرة وديون مؤرقة، ولكنها بعد الحرب مباشرة أصبحت الدولةَ الأغنى في العالم؛ نظراً لحجمِ عقود التسليح وصفقات الإعمار والقروض التي قدمتها الشركات الأمريكية للدول المشاركة في الحرب العالمية، والأمر نفسه تكرّر قبل الحرب العالمية الثانية بعد أن استمرت أزمةُ الكساد الكبرى من 1929 إلى 1939م، ثم تحول الوضعُ في أمريكا بشكل عكسي إلى وضعية البائع بالنقد، والمسيطرة على 75 % من ذهب العالم، تحول بمقدار أكثر من مِئة وثمانين درجة.
ولكن سُنَنَ الله تبقى هي العُليا ولا يمكن التغلُّبُ على ما وعد به (يمحقُ الله الربا)؛ لأَنَّه يقومُ على الاحتيال والظلم؛ لذا نجد أمريكا اليوم بحاجة إلى إسقاط نظام الديون المتضخمة بشكل غير مسبوق، وإعادة تشكيل النظام المالي العالمي من خلال فرض إعادة ضبط عالمية للسيطرة على أصول العالم.
هذا الهدفُ المهمُّ يأتي في ظل ارتفاع مُستمرّ لعدّاد الديون المتضخمة سواء الأمريكية التي بلغت أرقاماً فلكية في (عداد الديون الرسمي) 31.496.149.269.037$ وهذا الرقم بتاريخ اليوم 17 جمادى الأولى 1444هـ الموافق 11/12/2022م. بينما تؤكّـد بعض المصادر أن الديون الأمريكية الحقيقية في نفس التاريخ المشار إليه تبلغ $147، 829، 993، 610، 000 ([viii]) إضافة إلى أرقامٍ كبيرة للديون لإجمالي الديون العالمية بما يزيد عن 303 تريليونات دولار.
من أبرز وأهم الممارسات التي يقوم بها المصرفيون اليهودُ زعزعةُ استقرار العالم وإشعال الحروب والفتن والصراعات والنشاط والتحَرّك ضد الاقتصادات المنافسة كالصين؛ بهَدفِ تقويض اقتصادها والتأثير على صادرتها لإضعافها واحتوائها وتفكيك حلفائها “روسيا وإيران”.
كما يقومون بنشر اضطرابات ومشاكل سلاسل التوريد وأزمات شحن البضائع والسلع في العالم وخَاصَّةً في آسيا وأُورُوبا، وضخ ترليونات من الدولارات المطبوعة تحت عنوان المعالجة بآلية (التيسير الكمي)، مع شراء أصول المليارات من السندات.
إضافةً إلى الرفع المُستمرّ لأسعار الفائدة التي يقوم بها بنك الاحتياطي الفيدرالي، مع العديد من المؤامرات الاقتصادية المقنّعة بالاحتباس الحراري، وخفض الانبعاثات الكربونية.
في أمريكا يسيطرُ اليهود والمسيحيون اليهودُ على نسبةٍ كبيرةٍ من رؤوس الأموال، ويهيمنُ مالكو رؤوس الأموال على معظم الصناعات والمؤسّسات الخدمية والإعلامية، كما أنهم يسيطرون على النظام السياسي ويلعبون دوراً رئيسياً في رسم السياسات الأمريكية منذ أن نشأة أمريكا وتكون نظامها الرأسمالي الذي يعتمد على ركائز اقتصادية.
وقودُ استمرار الهيمنة الأمريكية
الاقتصادُ الأمريكي يقومُ على الحروب وينتعشُ بخرابِ البلدانِ الأُخرى وزعزعةِ استقرار العالم ومكاسب المؤامرات والاحتيال، ويعتمد الأمريكيون استراتيجيةَ خلق العدوّ الخارجي لانعدام أية مقومات توحيدِ السكان المجموعين من بلدان أُخرى كمهاجرين ومنقولين بالإجبار مثل الأفارقة.
تدميرُ الدول والبلدان ومنها دول أُورُوبا، حَيثُ تقتضي مصالحُ اليهود ولوبي الاقتصاد (الدولة العميقة) التي يهُمُّها تشغيلُ مصانع السلاح والإمدَاد وشركات الدواء والمؤن ومواد البناء وخلق ظروف لتقديم قروض إعادة الإعمار، وهذا ما فعلته في الحرب العالمية الأولى والثانية؛ ولأَنَّ المعالجات الاقتصادية الراهنة كلها مؤقتة ولن تحقّق معالجة فعلية ومشاكل الرأسمالية متفاقمة ومتراكمة لاعتمادها على الربا والاحتيال، والعلاج الذي يفضّله أعضاءُ (الدولة العميقة) هو الحروب لتحقيق السيطرة على ثروات الآخرين ولتوفير فرص تحقيق دوران نقدي لمطبوعات الدولار المتراكمة.
لماذا تزُجُّ أمريكا بألمانيا في مِلَفِّ أوكرانيا؟
ثمة أسبابٌ اقتصادية وجيوسياسية في قائمة أمريكا تتمثل باهتمامها وتحَرُّكها الكبير لتفكيك العلاقات الاقتصادية بين روسيا وألمانيا ومنها مصادر الطاقة وخط نورد ستريم؛ لأَنَّها ترى في التبادل التجاري بين البلدين “روسيا وألمانيا” تهديداً للدولار؛ كونه يتم بعُملات أُخرى غير الدولار، وأحد أسباب خفض نسبة حضور الدولار في سلة حقوق السحب الخاص.
بالتالي فَـإنَّ تخريبَ خَطِّ نقل الغاز (نورد ستريم) ومؤامرةَ تسقيف أسعار النفط الروسي تحقّقُ لأمريكا فرصةَ الاستحواذ والسيطرة على السوق الأُورُوبية التي يسيل عليها لُعابُ الشركات الأمريكية؛ لأَنَّ ألمانيا وأُورُوبا دولٌ صناعيةٌ تستهلكُ كمياتٍ كبيرةً من مصادر الطاقة، وتتميز بالدفع نقداً، إضافةً إلى أن السوق الأُورُوبية أقربُ للشركات الأمريكية التي تنقل صادرتها إلى آسيا وتقطع مسافاتٍ كبيرةً حتى تصلَ إليها في آسيا وشرق آسيا.
استمرارُ وتطورُ العلاقة بين روسيا وألمانيا تعتبره أمريكا خطراً على مصالحِ أعضاء الدولة العميقة؛ لأَنَّ الاقتصادَ الأمريكي قائمٌ على الحروبِ والمؤامراتِ وهيمنة الدولار، واستقرار العلاقة بين روسيا والدول الأُورُوبية خَاصَّة “ألمانيا” لا يدعمُ مبرّراتِ التحَرّك الأمريكي في أُورُوبا، كما أنه يقلِّلُ من أهميّةِ انتشار القواعد الأمريكية ويُضعِفُ القدرةَ الأمريكية في تسويق الأسلحة والطائرات والصواريخ وغيرها.
وغيرَ بعيد عن السياق نفسه يأتي موضوعُ العلاقات الصينية السعوديّة فهو ضمنَ الاحتواء غير المباشر للصين، ومن خلف ساتر السعوديّة ودول الخليج يدير الأمريكيون علاقةَ الشرق الأوسط مع الصين ويضعون الخطوطَ والمسارات التي تصب مخرجاتها في خدمة الدولار وخفض التعامل بالعملات الأُخرى المنافسة للدولار، يحدث هذا من حين لآخر وقد برز بشكل أكثرَ بعد أن تعثرت وتأخرت الجهودُ الأمريكية الهادفة لتقويض روسيا وعزلها عن الصين.
الكارتيلاتُ الاتّحادية الاحتكارية
يعودُ تاريخُ تشكل الكارتيلات الاتّحادية الاحتكارية إلى أواخر القرن التاسع عشر، حَيثُ تشكلت معظم مؤسّسات ومكاتب الرأسمالية وتحولت كارتلات احتكارية، تدعمها موادُّ الدستور الأمريكي والقوانين واللوائح التنظيمية التي تركز على أصل الملكية وتمنح السيطرة على آلات الإنتاج دون التدخل من الجهات الرسمية.
(الكسندر هاملتون) مؤسِّسُ الرأسمالية ووزيرُ الخزانة في حكومة جورج واشنطن كان يرى أن قوة أمريكا يجب أن تعتمد على قوة أصحاب الأموال، فجورج واشطن نفسه كان يمتلك مزرعة كبيرة تزيد مساحتها عن ألف هكتار وله فيها 135 من العبيد يعملون فيها.
ومن المهم التذكيرُ بمقولة جون جي (John Jay)([ix]) وهو أولُ رئيس للديوان الأعلى في أمريكا قال يوم إعلان تأسيس الولايات المتحدة: (يجب أن تكونَ الحكومةُ بيد الذين يهيمنون على رأسمال البلاد).
وحتى يومنا هذا ما زالت البنوكُ غيرُ الحكومية والشركات الرأسمالية في أمريكا هي التي تقومُ برسم السياسات الاقتصادية وتتحكم في الاستثمارات الكبيرة والبورصات وسوق الأسهم في كافة الولايات الأمريكية.
وابتداءً من الأسواق المصغرة (السوبرماركت) إلى شركات تصنيع الأسلحة والطائرات والجهات المعنية عن طباعة الدولار وشؤون البنك الفيدرالي المركزي جميعُها تقعُ ضمن مليكة وإدارة أصحاب رأس المال الخاص.
ومن أبرز المجموعات التي تهيمنُ على الاقتصاد في أمريكا تأتي مجموعة (روكفلر) ومجموعة بوسطن ومورقان وكليفلند وبنج، حَيثُ تسيطر على 85 شركةً من 100 شركة صناعية كبيرة و38 مصرفاً من 40 مصرف و19 شركة من 20 شركة تأمين و18 شركة من 20 شركة نقل كبيرة و12 بنكا من البنوك الكبيرة. ([x]) وتهيمنُ هذه الجماعاتُ على معظم الصناعات العسكرية وشركات إنتاج وسائل النقل وتمتلك الطرق وسكك الحديد والكهرباء ووسائل الإعلام والبريد.
بعد الحرب العالمية الأولى وتحديداً 1919م، وبناءً على توجيهاتٍ من الرئيس الأمريكي (وودور ويلسون) تم تأسيسُ مجلس العلاقات الخارجية ([xi]) والذي يتكوّنُ من أصحاب رؤوس الأموال، ويتم اختيارُ مرشحي الرئاسة في أمريكا من هذا المجلس، كما يسهم أعضاؤه بشكلٍ كبيرٍ في رسم السياسات الأمريكية ويتحكمون بصناعة الرأي العام، وَفكرة تأسيس هذا المجلس قدّمها المستشار (ادوارد هاوس) الذي كان يقولُ عنه الرئيس الأمريكي (ويلسون): (إنه أنا في هيئة أُخرى) ويعده الرجل الثاني من بعده.
دورُ بلاك روك (BlackRock) في المؤامرة
بلاك روك هي أكبر شركة في إدارة الأصول على مستوى العالم، حَيثُ تدير أصول بقيمة تزيد عن 10 ترليون دولار، ويملكها كبار المصرفيين اليهود من آل روتشيلد وآل روكفلر، وهي التي تملك الأسهم الأكثر في الشركات العالمية الكبرى مثل تيسلا وقوقل وأمازون وأكبر بنوك العالم والشركات المتعددة الجنسيات، وتمتلك كُـلّ شركات الأدوية الغربية، كما تمتلك بلاك روك أَيْـضاً معظمَ شركات وقنوات وسائل الإعلام في العالم.
لبلاك روك (BlackRock) علاقةٌ كبيرة وأَسَاسية في العديد من الأزمات والصفقات والمؤامرات الاقتصادية الكبرى، آخرها وأهمُّها أزمةُ الطاقة العالمية ضمن استراتيجية مخطّطة لتفكيك الاقتصادات الصناعية بقناع الأجندة الخضراء ومحاربة الاحتباس الحراري “صفر كربون”.
شهر يناير 2020 وتحديداً في ليلة عمليات الإغلاق بذريعة “كورونا” أعلن لاري فينك، الرئيس التنفيذي لبلاك روك (BlackRock) في خطاب أمام المسؤولين والمدراء في وول ستريت والمديرين التنفيذيين للشركات عن مستقبل تدفقات الاستثمار في وثيقة عنوانها “إعادة تشكيل أَسَاسية للتمويل”
أعلن لاري فينك عن تحول جذري في استثمارات الشركات، حَيثُ صرح قائلاً: سيصبح المال “أخضرَ” وقال: في المستقبل القريب – وفي وقت أقرب مما هو متوقَّع – ستكون هناك إعادةُ تخصيص كبيرة لرأس المال، مخاطر المناخ هي مخاطر الاستثمار، كما قال: يجب على كُـلّ حكومة وشركة ومساهم مواجهة تغير المناخ.
إن شركاتِ إدارة الأصول وصناديق الاستثمار الكبرى تدفعُ نحو توجيهِ مئات المليارات من الأموال نحو شركات مناخية بأكثرَ من قيمتها الحقيقية في أمر مريب!! ومؤخّراً بلغت سندات المناخ أَو السندات الخضراء ما قيمته أكثر 500 مليار دولار.
التحَرُّكُ الأمريكي ضد الصين
إضافةً إلى ما سبق فَـإنَّ استراتيجيةَ الأمن القومي الأمريكية تضعُ الصين في مرماها؛ باعتبارها المنافِسَ الأولَ لأمريكا وهي -كذلك- طبيعةُ الحال فَـإنَّ أيةَ سياسة تجعلُ الصين أقوى، تتعارَضُ مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
كانت روسيا حجرَ الزاوية في نظام الطاقة العالمي قبل أحداث أوكرانيا وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، أكبر مصدر للغاز في العالم، ومن أكبر البلدان الموردة للفحم، بالتالي ترى أمريكا أن روسيا تشكل عقبة أمام خطتها “المحورية” لتطويق الصين وعزلها وإضعافها ولذلك بدأت بها.
وتشكِّلُ إيرانُ نفسَ التهديد أمام أمريكا، وكل الأعمال العدائية التي نشهدها في أوكرانيا وتايوان مرتبطة بقضية تحول في الاقتصاد العالمي.
ومن زاوية اقتصادية فالصين اليومَ القوةُ الاقتصادية الكبرى وإن كانت أمريكا تضعُ نفسَها رأسَ القائمة لكن الواقع يقولُ بأن الناتج المحلي الأمريكي غيرُ حقيقي “غير صناعي” أما الفعلي فهو بحدود 25 % من إجمالي الرقم المعلَن عنه، وبقية الإحصائيات الأمريكية تخُصُّ اقتصاد قطاع الخدمات وليس الإنتاج.
في هذا السياق نشر الخبيرُ الاقتصادي الحُرُّ “لاري رومانوف” -من موقع إقامته في الصين- العديد من الكتابات المهمة من أبرزها مقال بعنوان (الإحصاءات الاقتصادية الأمريكية “أرقام غير موثوقة”) بتاريخ 10 نوفمبر 2019م، وله العديد من الكتابات الجيدة، مترجمة إلى 32 لُغةً ونشرت في أكثر من 150 موقعاً. ([xii])
وتبقى الحقيقة واضحةً بأن استمرارَ الهيمنة الأمريكية قائمٌ على الدولار والنظام المالي العالمي الذي يسيطر عليه اليهود المصرفيون وإن شئت قُلْ أعضاءَ الدولة العميقة وهم أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي أَيْـضاً، وبالتالي من الطبيعي أن ترى أمريكا في صعود الصين هو التهديدَ الأهمَ والخطرَ الذي يحملُ معه إعلاناً كَبيراً يؤكّـدُ انهيارَ امبراطورية الدولار والذي يعني، تفكك بقية أدوات أمريكا التي استخدمتها طوال تاريخها القائم على الحروب والفتن ونشر الأوبة والكوارث في معظم دول العالم، تاريخ بشع مليء بمجلدات كبيرة من الجرائم وبحور من دماء البشر، تاريخ مزدحم بالمؤامرات والانحطاط والظلم والطغيان غير المسبوق، بعيد كُـلّ البعد عن الحضارة والإنسانية والقيم والأخلاق.
المصدر: موقع أنصار الله