العين برس:
يتغير الأعداء من زمن إلى آخر، لكن “مقاتلي الحرية” يحتفظون بسِماتهم نفسها. فهم أناس عاديون، لكنهم ينتفضون في لحظة وعي، ويتحولون إلى أبطال خارقين.
كنت أبحث عن أصل حركة، اسمها movements.org، بعد أن قرأت وسمعت عن دورها في “الربيع العربي”، ففوجئت بهذه الجملة تحتل صفحتها الرئيسة:
“في الوقت الذي أغلقت شبكة الإنترنت والخلوي والخطوط الأرضية في سوريا، فإن movements.org متوافرة لتجاوز الإغلاق”.
أثارت هذه الجرأة فضولي. من أين تأتي القوة التي تسمح لمنظمة من منظمات المجتمع المدني بتحدي دولة، بجيشها وقوانينها وأنظمتها؟ دولة لا يبخل أعداؤها في إطلاق كل صفات القمع على أجهزتها الأمنية، ويألفون القصص عن مجازر ارتكبها جيشها، كيف تجرؤ منظمة مجتمع مدني على تحدي كل هذا التاريخ “المفترض” من القمع؟ تتحدث الصفحة عن الدعم الذي قدمته هذه الحركة إلى “مقاتلي الحرية” في أنحاء متعددة من العالم، ومنها مصر وليبيا وسوريا.
“مقاتلو الحرية” عبارة أعادت إليَّ ذكريات طفولة مرتبطة بالمجلات الخيالية، التي كنت أقرأها، مثل “سوبرمان” و”الوطواط”، فاستعدت صورة غلاف إحدى هذه المجلات، التي تصدر في العاصمة الأميركية واشنطن، بعنوان “مقاتلي الحرية”. فهل من علاقة بينهما؟ هل من علاقة بين ألوان لباس “سوبرمان” و”المرأة الخارقة” وألوان العلم الأميركي والحرب على الإرهاب؟ هل من قبيل الصدفة أن تمت استعادة شخصية “كابتن أميركا”، وأُعيد إطلاق سلسلة الأفلام الخاصة به؟ هل كان اختيار المجندة الإسرائيلية، غال غادوت، لتؤدي دور المرأة الخارقة، مرتبطاً بجمالها وقدراتها التمثيلية، أم أنها مثلت “نضال” رأس الحربة الرأسمالي الديمقراطي في عالم التطرف والإرهاب والديكتاتورية في الشرق الأوسط، حيث يجتمع كل أعداء الرأسمالية التقليدية: روسيا، الصين، إيران، حزب الله، الفكر القومي، بالإضافة إلى الشيوعيين؟ هل اجتمعت كل هذه الصور صدفة، وكل ما يخطر في بالي من ترابط بينها ليس سوى سقوط في نظرية المؤامرة؟
عند البحث عن معنى مصطلح “مقاتل حرية” عبر الإنترنت، يقدم موقع القاموس الإجابة التالية: هو مقاتل من أجل الحرية يحارب ضد قوى الطغيان والديكتاتورية. لقد تم إيجاد هذا المصطلح بين عامي 1940 و1945، وارتبط بالحرب العالمية الثانية، فلقد كان هؤلاء المقاتلون يحاربون الطغيان والديكتاتورية، المتمثّلين بصورة أساسية، بالنازية بزعامة هتلر، والفاشية بزعامة موسوليني. لذلك، كسب هؤلاء المقاتلون حب الجمهور وتعاطفه.
بعد انتهاء الحرب العالمية، وفي حقبة الحرب الباردة، سيتم تجيير هذه العواطف ضد الشيوعيين، بصفتهم ممثلين للديكتاتورية: في الاتحاد السوفياتي بزعامة ستالين، وكوبا كاسترو، ومصر عبد الناصر، ويوغسلافيا تيتو، ثم حافظ الأسد وبشار الأسد وأحمدي نجاد والسيد حسن نصر الله. وسيتحول محارب الحرية إلى جاسوس خارق، مثل جيمس بوند، أو بطل ملاكمة لا يستسلم، مثل روكي بالبوا.
يتغير الأعداء من زمن إلى آخر، لكن “مقاتلي الحرية” يحتفظون بسِماتهم، فهم أناس عاديون يرتكبون الأخطاء مثلنا جميعاً، وقد يكونون من الضعفاء المضطهَدين من جانب الآخرين، لكنهم ينتفضون في لحظة وعي، ويتحولون إلى أبطال خارقين يحاربون من أجل الحق، ويخرجون لاستعادة الحرية المفقودة، وإعادة الحق إلى نصابه (الرأسمالي).
لقد قاتل الشباب المعاصر، إلى جانب “مقاتلي الحرية” عبر شبكة الإنترنت وألعاب الفيديو. قاتل الإرهابيين والطغاة وحرّر الأسرى المعتقلين لدى الأنظمة الديكتاتورية. لهذا كله، لن يعاني صنّاع الحدث مشكلة في رسم صورة “مقاتلي الحرية”، أو خلق تعاطف معهم في رحلتهم من أجل هزيمة الطاغية. فمن هو الطاغية اليوم؟
كل من يعادي مصالح الغرب وقيمه… طاغية.
كل من يسعى للاستقلال الوطني، أو فك التبعية الاقتصادية مع المركز الرأسمالي… طاغية.
كل من يحاول التمرد على الهيمنة الاستعمارية، ويطرح فكراً ثورياً تحررياً… طاغية.
يضع المصور الفوتوغرافي Johann Rousselot في موقعه عبر الإنترنت صوراً لـ “مقاتلي الحرية” في عدة بلدان، هي: مصر، المغرب، سوريا، تونس، ليبيا. لم يكن من الممكن إلّا أن نلاحظ باستغراب غياب العراق وفلسطين ولبنان! “مقاتلو الحرية” هم الذين يقاتلون جيوش بلادهم، أمّا الذين يقاتلون الاحتلال فهم إرهابيون، بحسب التصنيفات الدولية!!
توضح منظمة movements.org في موقعها في الإنترنت، مهمتها كالتالي: “تقديم الحلول الرقمية لدعم الناشطين في المجتمعات المغلقة، وتضخيم أصواتهم وإلهام الآخرين، من خلال التعرف إلى قصصهم”.
أول اجتماع لـ”مقاتلي الحرية” كان عام 2008، في لقاء عُقد تحت اسم “اتحاد الحركات الشبابية” (Alliance of Youth Movement AYM). هذه الحركة، التي عقدت مؤتمرين بعد ذلك، هي النواة لمنظمة movements.org. لنفهم العلاقة جيداً، لا بد لنا من الاطلاع على لائحة الداعمين والشركاء، والتي تضم:
Edelman
Youtube
Howcast
MSNBC
MTV
Facebook
Pepsi
Gen Next
Meet up
Omnicom Group
CBS news
National Geographic
access 360 media
Mobile Accord
كل هذه المؤسسات سيكون لها دور مهم في أحداث “الربيع العربي”، بل إن البعض يعتقد أنها من صنع هذا “الربيع” المزعوم. حضر هذه المؤتمرات الآلاف من العرب (من مصر وسوريا والأردن ولبنان وتونس وفلسطين واليمن)، وحضرها الإيرانيون، الذين سيشاركون في المستقبل في “الحركة الخضراء” الإيرانية، بعد انتخابات 2009، والعرب الذين سيشاركون في “الربيع العربي” الذي سينطلق في عام 2011.
وللتواصل مع هؤلاء، نجد في قائمة العاملين في هذه المنظمة، عهد الهندي، مدير البرنامج العربي، وسولماز شريف، مدير البرنامج الإيراني.
علينا هنا أن نتوقف عند تاريخ انعقاد المؤتمر الأول لهذه الحركة عام 2008؛ أي عام الانهيار المالي الذي كان يهدد النظام الرأسمالي بمجمله، والأزمة التي دخلت كل منزل في أوروبا والولايات المتحدة، وتركت ملايين المشردين من دون عمل أو مأوى. لكن ذلك لم يمنع هذه الدول من إنفاق الملايين على التدريب والتجميع لشبان من كل أنحاء العالم، لتطلقهم كـ”مقاتلي حرية”.
اليوم، يعود “مقاتلو الحرية” إلى الظهور في المدن الإيرانية احتجاجاً على موت الفتاة مهسا أميني، ويصرّح الرئيس الأميركي بأن بلاده ملتزمة الدفاعَ عن حقوق الإنسان في إيران؛ بلاده التي خُنق فيها جورج فلويد تحت قدم رجل الشرطة على الهواء. للأسف، تنطلي الحيلة على كثيرين من السذّج، بل يتطوّع البعض للاعتذار نيابةً عن الحكومة الإيرانية. التحقيق يأخذ مجراه، والمقصّر إن وُجد فسينال جزاءه. السؤال: من سيعاقب “إسرائيل” على استشهاد الطفل ريان سليم؟
المصدر: الميادين