كشف خبير إسرائيلي في الحرب المالية استخدام “دولة” الاحتلال الحرب الاقتصادية ضد أعدائها في وقت عجزها العسكري، طارحاً غزة نموذجاً عن عمليات تجفيف المنابع الاقتصادية.
على مدى العقود الماضية، استخدمت “دولة” الاحتلال سلاح الاقتصاد ورقةَ ضغط سياسي في مواجهة الدول وحركات المقاومة، وبدأت استخدامه بصورة فعلية ضد المقاومة الفلسطينية بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وصولاً إلى حالة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 16 عاماً بعد أن سيطرت عليه حركة حماس. ولم تتوقف جهود الاحتلال عند هذا الحدّ، بل حاول تطوير استراتيجية خاصة بقطاع غزة، هدفها معالجة المخاطر المُحْدِقة والقادمة من القطاع، وضمان أطول فترة هدوء.
تُعَدّ الحرب الاقتصادية أحد أهمّ الأسلحة الإضافية غير العسكرية التي تستخدمها “دولة” الاحتلال في مواجهة المقاومة، فلقد بنت استراتيجيتها للتعامل مع قطاع غزة سابقاً على أساس “إبقاء الرأس فوق الماء”؛ بمعنى السماح للمقاومة وحاضنتها بالتنفس فقط من دون الوصول إلى الانفجار، على ألّا يكون هناك رخاء اقتصادي يمكن أن ينعكس إيجاباً على قوة المقاومة.
سعت “دولة” الاحتلال، على مدى عقود، لربط الفلسطينيين باقتصادها، بحيث يكون الاقتصاد ورقة يمكن استخدامها في عقاب من تريد منهم، وهذا الأمر لم تسلم منه منظمة التحرير وحركة فتح عند توقيع اتفاقية أوسلو، إذ تم توقيع برتوكولات اقتصادية عزّزت ارتباط الاقتصاد الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية بالاحتلال.
وفي هذا الإطار، لم يكن مفاجئاً ما كشفه الخبير الإسرائيلي في الحرب المالية، أودي ليفي، الذي خدم مدة 30 عاماً في مجموعة واسعة من المناصب في شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال وفيما يُطلق عليه “الإدارة المدنية”، إذ كشف مؤخراً استخدام “دولة” الاحتلال الحرب الاقتصادية ضد أعدائها في وقت عجزها العسكري، طارحاً غزة نموذجاً عن عمليات تجفيف المنابع الاقتصادية.
وعلى الرغم من محاولة ليفي التقليل من مركزية جهود الاحتلال في الحرب الاقتصادية، فإنّه دعا إلى أن تصبح جناحاً جديداً في الجيش إلى جوار القوى الأخرى التي تمتلكها “دولة” الاحتلال، بسبب ما لها من دور مهم في أي حرب مستقبلية. ويرى أنّ الحرب الاقتصادية يمكن أن تُضعف المقاومة من خلال حرمانها من القاعدة الاقتصادية الداعمة للنشاط العسكري ضد “دولة” الاحتلال، وإلحاق الضرر بالأصول الاقتصادية لمن يقودون هذا النشاط.
التفكير في الحرب الاقتصادية ضد المقاومة الفلسطينية لم يكن وليد الأعوام الأخيرة، بل كان منذ الانتفاضة الأولى، بعد أن استهدفت “دولة” الاحتلال المَصادر المالية للمقاومة الإسلامية كجزء من استهداف البنية التحتية، ومحاولة منعها من التمدّد شعبياً. وتولّى جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام (“الشاباك”) مهمّات مواجهة الجناح العسكري، بينما تولّت “الإدارة المدنية” مواجهة المَصادر المالية التي تغذي البنية التحتية للجناح العسكري.
مؤخراً، أقرّ رئيس وزراء الاحتلال، يائير لابيد، في خطابه أمام الأمم المتحدة، بالحرب الاقتصادية ضد الشعب الفلسطيني، وتبجّح بمساومة الفلسطينيين في قطاع غزة على تحسين وضعهم الاقتصادي في مقابل التخلي عن المقاومة، وترك السلاح، وتسليم الجنود الأسرى.
مَن يقرأْ خطاب لابيد جيداً يدركْ أن توجّهه وخطته الاقتصاديَّين لغزة لم يأتيا من فراغٍ، بل هما استكمال لمشاريع سابقة استُخدم فيها السلاح الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية، إذ إنّ طرحه الأخير يهدف إلى تجاوز الظروف التي ترى “دولة” الاحتلال أنّها غير قادرة فيها على ترجمة قوتها العسكرية إلى هزيمة المقاومة الفلسطينية.
وتقوم خطة لابيد على أنّه يمكن التأثير في صانع القرار لدى المقاومة من خلال ممارسة ضغط شديد جداً على المَصادر المالية للحركة، وفتح الأبواب الاقتصادية للأشخاص والفئات البعيدِين عن المقاومة، إذ إنّ هذا الأمر قد يحدّ جرأة قيادة المقاومة على الذهاب إلى التصعيد.
على رغم أنّ الاحتلال طوّر أساليبه في مواجهة المَصادر المالية للمقاومة، فإنّه كلّما طوّر أسلوباً جديداً، ابتدعت المقاومة أسلوباً أذكى لتجاوزه، وهو الأمر الذي دفعه، خلال الأعوام الماضية، إلى تغيير جزء من أساليبه، والاضطرار بعد العجز إلى استخدام القوة. فبعد أن فشل سلاح المُصادرة والسطو على الأموال في وقف تطور قدرات المقاومة، ذهب إلى اغتيال أحد أبرز الصرّافين، الذين ينقلون الأموال إلى فصائل المقاومة في قطاع غزة، في عام 2018.
ختاماً، إنّ المنظومة الأمنية في “دولة” الاحتلال تقدّر أنّ الحرب الاقتصادية على المقاومة الفلسطينية، وتحديداً في قطاع غزة، حالت دون تحول حركة حماس إلى قوة كبيرة موازية لقوة “حزب الله” اللبناني، وتعتقد أنّ استمرار بقاء الحركة تحت حالة الضغط الاقتصادي جعلها تضطرّ إلى تسخير جزء غير قليل من مواردها المالية في مساعدة حاضنتها الشعبية وتعزيزها.
المصدر: الميادين