العين برس:
“إسرائيل” تسعى من خلال مشاريع استخراج الغاز من حوض شرق البحر المتوسط ونقله لإضافة ركيزة رابعة إلى اقتصادها القومي، إذ إنها تعتبر المستفيد الأكبر من الغاز الطبيعي المكتشف فيه.
بدأت الاكتشافات الإسرائيلية الجدية للغاز في البحر المتوسط منذ عام 2009، وباتت “إسرائيل” تستشعر الأهمية الاستراتيجية لغاز شرق البحر المتوسط، وخصوصاً مع استكشاف حقلي “تمار و”كاريش” اللذين يحتويان ما يقارب 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وقبلهما حقل “ليفياتان”.
أضف إلى ذلك أنَّ علماء الجيولوجيا والطاقة ومؤسسات متخصصة، كهيئة المساحة الجيولوجية الأميركية، قدرت أنَّ غاز حوض شرق المتوسط الذي يمتد على مساحة 83 ألف كم مربع، وتطلّ عليه 7 دول هي مصر وسوريا ولبنان وقبرص والسلطة الفلسطينية وتركيا و”إسرائيل”، يبلغ 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
لذا، نظرت “إسرائيل” إلى غاز شرق المتوسط بوصفه فرصة كبرى لتحقيق ما تطمح إليه لفرض تفوقها الاستراتيجي في الإقليم من عدة نواحٍ، أهمها:
الجانب الاقتصادي
تستند “إسرائيل” في تكريس مكانتها في الاقتصاد الدولي إلى 3 ركائز أساسية، هي:
– الشركات الإسرائيلية المتعددة الجنسية التي بدأت بالعمل على استجلابها إلى السوق الإسرائيلية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، والتي أدت دوراً مركزياً في دمج الاقتصاد الإسرائيلي بالسوق الدولية، إذ قال غاي هيلتون، المدير العام لمركز الشركات الناشئة الإسرائيلي، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى ربط الشركات الإسرائيلية الناشئة مع الشركات والمؤسسات والحكومات والمنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم: “إنه أمر رائع بالنسبة إلى الاقتصاد والبلد: المزيد من الأعمال التجارية العالمية التي تفتتح هنا، والمزيد من التحقق من صحّة صناعة التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل، وتواصل أكبر مع العالم”.
كذلك، تعمل الشركات المتعددة الجنسيات كأكاديمية غير رسمية للإسرائيليين، لتعلم كيفية العمل مع الشركات الدولية الكبيرة، وبالتالي مواءمة البنى الاقتصادية الإسرائيلية مع احتياجات الاقتصاد الدولي.
ووفقاً لبيانات مركز الشركات الناشئة الإسرائيلي، منذ عام 2014 وحتى الأشهر الستة الأولى من العام 2018، افتتحت نحو 117 شركة متعددة الجنسيات من 21 دولة مركزاً للبحث والتطوير في “إسرائيل”، بمتوسط 23.4 مركزاً للبحث والتطوير في السنة.
– صناعة التقنية العالية (الهايتك) التي تؤدي دوراً رئيساً في عجلة نمو الاقتصاد الإسرائيلي من حيث كمية الإنتاج ومستوى المدخول أكثر من أي قطاع محلي آخر، ناهيك بإسهام قطاع الهايتك في النشاط التصديري الذي اقترب من 40% من حجم الصادرات الإسرائيلية منذ عام 2011.
– الصناعات العسكرية التي مكّنت “إسرائيل” من جعلها أحد المراكز العالمية لصناعة الأسلحة ذات التقنية العالية، إذ بلغت قيمة إجمالي اتفاقيات تصدير السلاح والمعدات العسكرية الإسرائيلية لعام 2020 في ذروة وباء كورونا 8.302 مليار دولار (نحو 27 مليار شيكل).
نعتقد أنَّ “إسرائيل” تسعى من خلال مشاريع استخراج الغاز من حوض شرق البحر المتوسط ونقله لإضافة ركيزة رابعة إلى اقتصادها القومي، إذ إنها تعتبر المستفيد الأكبر من الغاز الطبيعي المكتشف في حوض شرق المتوسط، وصاحبة الحصة الكبرى، من خلال 9 حقول للغاز تسيطر عليها، وخصوصاً مع حرمان كل من السلطة الفلسطينية وسوريا ولبنان من حصتهم باستخراج الغاز من مناطقهم البحرية.
وبالتالي، تتوقع “إسرائيل” أن يرفد قطاع الغاز ونقله الاقتصاد الإسرائيلي بعشرات المليارات سنوياً، في ضوء الحاجة الأوروبية إلى غاز شرق المتوسط كبديل من توقف تدفق الغاز الروسي الذي يمثل 40% من احتياجات الغاز الأوروبية بمقدار 150 مليون متر مكعب.
وبحسب المخطط الأميركي، إنَّ غاز دول “إيستميد” (دول شرق المتوسط: مصر واليونان وقبرص، إضافة إلى “إسرائيل”) سيوفر للسوق الأوروبية 20 مليون متر مكعب، من بينها 10 ملايين متر مكعب على الأقل من حقل الغاز الإسرائيلي “ليفياتان”، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “غلوبس”، بما يعادل 10% من إمدادات الغاز الروسي لأوروبا.
أضف إلى ذلك سعي “إسرائيل” الدؤوب لأن تصبح دولة المركز لمشاريع استخراج الغاز ونقله من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وخصوصاً بعد إفشال “إسرائيل” وحلفائها المحاولات التركية لتصدّر مشهد نقل غاز الشرق الأوسط إلى أوروبا، الأمر الذي يحقق الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الاقتصادية على المستوى الإقليمي، المبنية على نظام “المحور والأضلاع”، والتي تقوم على تكريس نوعية تقسيم العمل، بتخصص المحور “إسرائيل” في إنتاج السلع الصناعية ذات الكثافة الرأسمالية والقيمة المرتفعة، فيما تتخصص بلاد الأضلاع، “الدول العربية”، بالسلع التقليدية ذات القيمة المنخفضة، ما يعمل على استدامة احتياج دول الأضلاع إلى دولة المركز بشكل لا انفكاك منه.
الجانب السياسي
لا ينحصر ارتباط “إسرائيل” بمنظومة الطاقة الإقليمية ببيع الغاز والجوانب الاقتصادية، إنما يتعدى ذلك صوب تعزيز الحلف السياسي الإقليمي التطبيعي بين “إسرائيل” ودول التطبيع في المنطقة وترسيخه.
وهنا، يبرز الدّور السياسي الَّذي تؤديه مشاريع استخراج غاز شرق المتوسط ونقله، سواء في دفع بعض دول المنطقة تجاه اتفاقية “أبراهام” أو العمل على إعادة تعزيز العلاقة مع “إسرائيل” مجدداً، كما حدث مع تركيا.
وتعزيز اتفاقية “أبراهام” من خلال مزيد من المشاريع الإقليمية المشتركة التي تكرس الدور السياسي الإسرائيلي في المنطقة ككيان، بات يوجِد مصلحة اقتصادية وسياسية لدول التطبيع في المنطقة للحفاظ على أمنه واستقراره، لارتباطه الكبير بنموها الاقتصادي المأمول، كما تسوّق الدعاية الإسرائيلية التي تكذبها الطبيعة الاستعمارية الإحلالية للمشروع الصهيوني.
المصدر: الميادين