العين برس:
على الرغم من المناشدات والجهود الدولية والإقليمية، فإنّ فرص السلام لا تزال بعيدة بسبب عدم توافر الإرادة السياسية المُفضية إلى الحوار، ثم التوافق والتراضي على حلول سلمية للأزمة.
لم تتمكّن أطراف الحرب التي نشبت في إثيوبيا، بين سلطتها المركزية وجبهة التيغراي، من التوصل إلى اتفاق سلام يُنهي حالة الحرب التي بدأت بينهما في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، إذ لا تزال الحرب مستعرة على رغم حالات الهدوء النسبي التي لازمت مسار العمليات الحربية منذ بداية الهدنة، التي بدأت في آذار/مارس الماضي، واستمرّت خمسة أشهر، ولم تتمكّن الهدنة من الصمود أمام العمليات العسكرية التي نشطت في جغرافيا الحرب منذ الشهر الماضي.
كذلك، لم تقم أريتريا بسحب قواتها المشارِكة في هذه الحرب، كما أعلنت في آذار/مارس المنصرم، بحيث ظلت قواتها حاضرة في مسرح العمليات العسكرية، وعبر تنسيق الجهود الحربية مع الحكومة الإثيوبية ودعمها في مواجهة جبهة التيغراي وإقليمها الساعي لاستعادة دوره في حكم إثيوبيا، أو الانفصال عنها.
إزاء استمرار الوجود العسكري الأريتري داخل الأراضي الإثيوبية، جددت الولايات المتحدة الأميركية دعوتها إلى سحب القوات الأريترية، ووضع حد لمشاركتها في الحرب إلى جانب قوات الحكومة المركزية الإثيوبية، كما أبدت قلقها من تجدد المعارك في إثيوبيا، وأعلنت عزمها إجراء مشاورات مع الاتحاد الأفريقي وأطراف أخرى لوقف القتال. ودعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قادة إثيوبيا إلى وضع البلاد في طريق يُنهي المعاناة ويحقق السلام الدائم عبر الجهود الدبلوماسية. وقال، في بيان، إن بلاده تريد العودة إلى شراكة قوية مع إثيوبيا، وتقف إلى جانب شعبها لتحقيق رغبته في العيش بسلام.
وأثنى بلينكن على جهود الاتحاد الأفريقي من أجل جمع الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير التيغراي إلى طاولة المحادثات لحل النزاع المستمر، مؤكداً أن الشركاء الدوليين على استعداد لدعم هذه العملية، مضيفاً أنه يجب على أريتريا والدول الأخرى الكفّ عن تأجيج الصراع.
وكان الاتحاد الأفريقي أعلن تمديد تفويض مبعوثه الخاص إلى القرن الأفريقي، أولوسيغون أوباسانغو، المكلَّف مواصلةَ جهود السلام في إثيوبيا، في وقت أعلنت جبهة تحرير التيغراي التزامها وقفاً فورياً ومنسَّقاً لإطلاق النار، وأكدت عدم إمكان حلّ النزاع إلّا عبر الحوار، مبديةً استعدادها للانخراط في عملية سلام جدية، وسط ترحيب من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.
وأكدت الجبهة التزامها الفوري وقفَ الأعمال العدائية، وإجراء حوار سياسي شامل لخلق بيئة ملائمة تمكّن من إطلاق مفاوضات السلام، وكشفت تشكيل فريق تفاوض لتمثيل حكومة الإقليم، وعبّرت عن قناعتها الراسخة بعدم إمكان الوصول إلى حلّ إلّا من خلال الحوار السلمي.
بدوره، رحّب مفوض الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، بإعلان جبهة تحرير شعب التيغراي، وقال، في بيان، إن هذا التطور يُعَدّ فرضة سانحة من أجل استعادة السلام في إثيوبيا. وحثّ فكي جبهة التيغراي والحكومة الإثيوبية على العمل، بصورة عاجلة، من أجل وقف فوري لإطلاق النار، والمشاركة في محادثات مباشرة في عملية يقودها الاتحاد الأفريقي، بمشاركة شركاء دوليين يتم الاتفاق عليهم بين الطرفين.
وعلى رغم المناشدات والجهود الدولية والإقليمية، فإن فرص السلام لا تزال بعيدة بسبب عدم توافر الإرادة السياسية المُفضية إلى الحوار، ثم التوافق والتراضي على حلول سلمية للأزمة. كما أن هذه الجهود والمناشدات لم تحمل دولة أريتريا على سحب قواتها من الأراضي الإثيوبية والمشاركة في العمليات الحربية، بحيث أفادت وكالات الأنباء بأن السلطات الأريترية تعيد تموضع قواتها عند الحدود المشتركة بين إثيوبيا وأريتريا، وأنها بدأت عمليات تعبئة لقوات الاحتياط وحشدها عند الحدود، الأمر الذي يشي بدور أريتري جديد في مسرح العمليات الحربية، بكل ما يحمل ذلك من مخاطر تهدّد الأمن والاستقرار عند حدود الدولتين، وفي أراضي إقليم التيغراي بصفة خاصة، وفي القرن الأفريقي بصفة عامة.
يُذكَر أن أريتريا خاضت حروباً متعددة مع جيرانها، بحيث دخلت في حرب مع اليمن في عام 1995، وخاضت حرباً مع السودان في عام 1996، وحرباً مع إثيوبيا عام 1998 استمرت عامين، ثم خاضت حرباً مع جيبوتي عام 2008. وفقدت أريتريا في هذه الحروب أكثر من 70 ألف قتيل، وأهدرت قدرات اقتصادية كبيرة، وضاع منها، بسبب تلك الحروب، وقتٌ وإمكانات وقدرات وموارد، كان حريّاً توظيفُها لمصلحتَي السلام والتنمية.
إنّ مشاركة أريتريا في الحرب الإثيوبية، التي تدور رحاها منذ عامين في مواجهة جبهة التيغراي، وخوضها حروباً قبل هذه الحرب في مواجهة جيرانها، يطرحان أسئلة عن أسباب دخولها في كل هذه الحروب، وهي دولة حديثة التشكل وشحيحة الموارد، ينتظرها المستقبل بتحدياته وآماله، ويستصرخها الحاضر بأزماته المتكاثرة والمتناسلة.
فهل سياسة الحرب تعبّر عن سياسة الهروب إلى الخارج، أم تعبّر عن هواجس ذات صلة بنظام الحكم والقائمين عليه، أم هي سياسة تهيّئ المسرح الإقليمي لدور أريتري كبير يتصل بمشروع كونفدرالية القرن الأفريقي، الذي أطلقه المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد، أحد أبرز الآباء الروحيين للثورة الأريترية، والذي جعل أريتريا مركزاً لهذا المشروع، أم أن سبب خوضها كلَّ هذه الحروب جاء بدوافع تتكوّن من حصائل الإجابات عن كل هذه الأسئلة؟
المصدر: الميادين