“ومكر أولئك هو يبور” حربٌ على حربِ الإسناد لا تقل ضراوة

في إنجازٍ أمنيٍّ نوعيٍّ بفضل الله تعالى وتوفيقه وعونه، كشفت الأجهزة الأمنية اليمنية النقاب عن شبكة تجسسية هجينة متطورة تم ضبطها في عملية أطلق عليها اسم “ومكر أولئك هو يبور”، لكن هذه المرة بمستوىٍ من التطور والتعقيد يفوق كل الشبكات السابقة التي تم فضحها منذ عام 2015، وتمثل هذه الشبكة امتداداً للعمل الاستخباراتي المستهدف لليمن، لكن بآلياتٍ وأساليبَ أكثر دقةً وخطورة، تزامناً مع تصاعد الدور اليمني في إسناد غزة في سياق معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، كما أنّه يؤكد -بما لا يدع مجالاً للشك- أن حرب الاستخبارات التي تخوضها صنعاء لا تقل ضراوة عن المعارك العسكرية المباشرة، وأن العدو حاول جاهداً أن يُحيطَ باليمن من كل الجهات بشبكات تجمع بين الأدوات التقنية والأساليب البشرية في سياق استهداف أمن اليمن القومي وضرب دوره المحوري في معركة فلسطين.

يأتي تطور عمل هذه الشبكة -وفقاً للمعلومات الأمنية- لسببين رئيسيين: أولاً، الفشل الذريع للعدو خلال الفترات الماضية في تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية والاستخباراتية، ما دفعه لإعادة هيكلة أدواته بشكلٍ أكثر سريةً ودقةً. وثانياً، تصاعد الاستهداف وتزايد اهتمام العدو وتركيزه على اليمن بعد أن أصبحت صنعاء ركناً أساسياً في معركة إسناد غزة، ما جعلها هدفاً استراتيجياً يستحق إعادة توجيه كل الموارد الاستخباراتية لمواجهته.

ويوضح مصدر أمني رفيع أن العمل على بناء هذه الشبكة وتشغيلها جاء “في ظل التصعيد على اليمن لمحاولة ثنيه عن موقفه تجاه مظلومية غزة وقضية فلسطين”، مؤكداً أن المعلومات التي كانت ترفعها العناصر الخائنة “اعتمد عليها العدو في الاستهداف بالقصف البحري والجوي”، لكن نجاح الأجهزة الأمنية في “إلقاء القبض على العناصر الإجرامية الخائنة قبل تنفيذهم كل أهدافهم” يمثل نصراً مبكراً في هذه الحرب غير المتكافئة.

تكامل الأدوار في خدمة المشروع الصهيوني
وفقاً للمعلومات الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية، تُدار هذه الشبكة من مقر غرفة عمليات مشتركة تقبع في عمق الأراضي السعودية، حيث يجتمع ضباط المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي بنظرائهم السعوديين لإدارة ملفٍ استخباراتيٍّ معقد يستهدف اليمن بشكلٍ مباشر. وتؤكد المصادر الأمنية أن هذا الكشف يمثل “فضحاً لأقوى عملٍ استخباراتيٍ مشترك بين المملكة والعدو الصهيوني برعاية أمريكية، مدفوعةً بأجندات صهيونية لا سعودية”، ما يعني أن التطبيع السياسي، الذي بدا يافطة إلهاء أمام الرأي العام، إنما كان قناعاً يخفي وراءه شراكة أعمق وأخطر في دهاليز الاستخبارات.

وتوضح إقرارات العناصر الخائنة وبيان الداخلية أن الشبكة المضبوطة، والتي تَضاعف نشاطها بشكل ملحوظ في ذروة عمليات الإسناد اليمنية لغزة، تمثل “بنية خليطة” يشترك فيها أكثر من جهاز استخباراتي: “سعودية التمويل، أجنبية التدريب، صهيونية التوظيف”، وتكشف معلومات الداخلية أن هذه الغرفة المشتركة “سلمت أجهزة ووسائل تجسس متطورة لتنفيذ أعمال الرصد والتعقب والرفع والتحقق”، وأن عناصرها “تلقت تدريبها على أيدي ضباط أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين على الأراضي السعودية”، ما يجعل هذا التعاون أخطر وأكبر من مجرد تبادل للمعلومات إلى تنسيق استخباراتي رفيع ومتقدّم يهدف لخدمة الغايات الصهيونية، وتتموضع فيه المملكة في حدود الممول والأداة المستغَلّة لا أكثر.

التفاصيل الأمنية تكشف أن العدو عمل على توحيد غرفة عمليات مشتركة تضم الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي والاستخبارات السعودية، مقرها على الأراضي السعودية، لتكون بمثابة “الدماغ المشغل” للخلايا التجسسية، وتؤكد المصادر أن هذه الغرفة باشرت عملها على “استقطاب الخونة وضعاف النفوس، وتدريبهم وتزويدهم بأجهزة وتقنيات خاصة بالرصد”، كما أن “تكامل الأدوار بين أجهزة مخابرات العدو وواحدية الهدف المتمثل في خدمة المشروع الصهيوني الأمريكي” يمثل الخيط الناظم لكل الأنشطة، حيث “جعلت الرياض الأدوات المحلية اليمنية -منذ وقت مبكر- في خدمة الأجندات الإسرائيلية-الأمريكية”.

وتعمل الخلايا التجسسية ضمن هيكلية معقدة تشكلت من خلايا صغيرة ومتعددة تعمل بشكل منفصل عن بعضها البعض، لكنها ترتبط جميعاً بالغرفة المشتركة التي تديرها الرياض. وتؤكد المصادر أن التجنيد تم “تحت إمرة ضباط سعوديين كبار عملوا كمجندين تحت إمرة الضباط الأمريكيين والإسرائيليين”، ما يكشف عن هيكل قيادة هرمي يضع السعودية في المستوى التنفيذي المباشر للأجندات الصهيونية والأمريكية.

وتفيد المعلومات أن العملاء دُربوا على “أجهزة إلكترونية غير تقليدية”، و”طيف واسع من الأدوات التقنية” شملت “أدوات تعقبٍ إلكترونية متقدّمة شديدة التمويه وقوية الفاعلية، من بينها أجهزةُ الكشف الشبكي والاعتراض والمخادعة والحجب”، ما يضمن “الكشف الدقيق قبل وأثناء وبعد الاستهداف”. وقد استخدمت هذه الأدوات لزرع “البلكة” (أجهزة التعقب) في مواقع حيوية لتوفير إحداثيات دقيقة للعدو.

ويقول مصدر في الداخلية إن “الأجهزة الأمنية تعمدت الكشف عن كثير من التفاصيل لإظهار حجم الحرب الاستخباراتية التي خاضتها ضد أكثر من جهة دولية وإقليمية استُنفرت لمحاولة منع أو الحد من عمليات الإسناد اليمنية لفلسطين، وهي مواجهة لا تقل ضراوة عن الحرب المباشرة نفسها”.

الضباط الأجانب اليد الخفية للمشروع
تكشف التفاصيل أن الضباط الأجانب لعبوا دوراً مركزياً في التدريب والتشغيل، فقد “دُربت عناصر الخلايا الإجرامية على أيدي ضباط أمريكيين وإسرائيليين وسعوديين على الأراضي السعودية”، حيث قام هؤلاء الضباط بتسليم “أجهزة ووسائل تجسس متطورة” و”أدوات تعقب إلكترونية متقدمة شديدة التمويه وقوية الفاعلية”. وتؤكد المصادر أن “الضباط السعوديين الكبار عملوا كمجندين تحت إمرة” الضباط الأمريكيين والإسرائيليين، ما يفضح حجم التبعية السعودية الكاملة للإرادة الصهيونية-الأمريكية.

الجدير توضيحه في هذا السياق هو أن “هذه الشبكة وما تم من إفشال للمخططات المتعلقة بها ليس له علاقة بإنجازات أمنية أخرى خاصة بضبط خلايا تتبع منظمات دولية، أو ما حصل من استهداف للحكومة”، كما أن هذا الكشف “ليس له علاقة بما تحدث عنه السيد القائد مؤخراً عن موضوع المنظمات واستهداف الحكومة”، ما يؤكد أن الأجهزة الأمنية تعمل على جبهات متعددة ومعقدة، وكل إنجاز هو جزء من معركة وطنية شاملة، ما يعني أننا أمام إنجازات كبرى لا تقل أهمية ربما يتم الكشف عنها في الأيام القادمة.

بين الكيان والرياض أكبر من التطبيع
في قراءةٍ استراتيجيةٍ للمشهد، يتضح أن ما تكشفه “خلايا التجسس التي سقطت في اليمن” هو “جزء محدود من دوائر تعاون مخابراتية واسعة تشترك فيها الرياض”، فالنظام السعودي “تورط في جميع شبكات التجسس التي كُشفت منذ 2015″، وهو الدور نفسه الذي تلعبه بريطانيا في كثير من الحالات.

لكن الأخطر هو أن هذا التعاون “عابر للخلاف اليمني-السعودي”، فبغض النظر عن التفاصيل السياسية، “جعلت الرياض الأدوات المحلية اليمنية -منذ وقت مبكر- في خدمة الأجندات الإسرائيلية-الأمريكية”، واستراتيجياً، “تتورط السعودية في مهام خطيرة تغلق الطريق أمام أي خيوط رفيعة للجوار الآمن”، خاصة أن “النظام السعودي يصطدم -في كل محاولة- أمام إخفاق أوسع وآمال معقدة في إعادة اليمن إلى مربع الإخضاع”.

إن الكشف عن هذه الشبكة يمثل إنجازاً أمنياً ضمن “مهام جليلة إنسانية في دوافعها، ودينية في مبادئها، وصادقة في نواياها، تذود عن القضية المركزية والحق الفلسطيني، وتَحولُ دون محاولات التصفية والإلهاء وصرف الأولويات، وهو يؤكد أن “المعركة الأمنية كما العسكرية مفتوحة كجزء من معركة “الفتح الموعود..”، حيث بدا اليوم بعد هذا الانجاز أن ما يربط بين الكيان والسعودية هو أكبر بكثير من التطبيع السياسي، فقد أظهر الكشف الأمني أن المملكة منخرطة في شراكة استخباراتية توظّفُ فيه السعودية كل مواردها لخدمة العدو الإسرائيلي.. حيث تُدار الشبكةُ من الرياض، وفي الرياض مركز التجنيد، وفيها -مع بعض العواصم العربية- جرى التدريب والتأهيل لأعمال الرصد والتعقب والرفع والتحقق. والكشف الأمني لم يكشف عن تواجد ضباط إسرائيليين وأمريكيين في الرياض بقدر ما أبان حقيقة أن ضباطاً سعوديين كباراً يعملون كمجنّدين تحتَ إمرتهم. ففي الوقت الذي كانت فيه صنعاء تخوض “حرب الإسناد لغزة”، كانت الرياض تنجرف بكل ثقلها إلى “حرب إسناد الصهاينة”، لتضع نفسها في مواجهة مباشرة مع أبناء الأمة الإسلامية الذين يؤمنون بمحورية القضية الفلسطينية وقداسة التضحية في سبيل خلاص الأرض المقدّسة من الصهيونية.

تقرير | يحيى الشامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *